الصين وخطة خفض الانبعاثات.. وعود محدودة أمام كارثة عالمية
الصين وخطة خفض الانبعاثات.. وعود محدودة أمام كارثة عالمية
يرى خبراء المناخ إن الخطط التي أعلنتها الصين مؤخرًا لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تبقى ضعيفة للغاية ولا تقترب من المستوى المطلوب لتفادي كارثة عالمية، فقد وعدت بكين بخفض الانبعاثات بين 7% و10% من ذروتها بحلول عام 2035، لكن خبراء البيئة أكدوا أن المطلوب هو على الأقل 30% لتبقى درجات الحرارة ضمن حدود آمنة نسبيًا.
بحسب ما نقلته صحيفة "الغارديان"، فإن هذه النسبة تعكس فجوة عميقة بين الطموح المعلن والواقع المناخي القاسي، حيث يُعدّ ثاني أكبر اقتصاد في العالم أكبر مصدر لثاني أكسيد الكربون على الإطلاق، وستكون القرارات التي تتخذها الصين بشأن سرعة التحول نحو نموذج منخفض الكربون حاسمة في تقرير مصير الالتزام الدولي باتفاق باريس.
وهنا يتضح البُعد الحقوقي: فالتقاعس في خفض الانبعاثات لا يعني مجرد تأخير في الأرقام، بل يُترجم إلى أرواح مهددة بالفيضانات، وقرى مهددة بالجفاف، ومجتمعات يُسلب حقها الأساسي في بيئة آمنة وصالحة للعيش.
مركز تعقب العمل المناخي
جاء التقييم الأكثر صرامة من مركز تعقب العمل المناخي (Climate Action Tracker)، الذي أدرج خطط الصين تحت تصنيف "غير كافية جدًا"، وبحسب الموقع الرسمي للمركز، فإن هذا التصنيف يعكس أن بكين لا تسير وفق المسار الذي يضمن الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية.
ويحذر المركز من أن استمرار الصين في الاعتماد الكبير على الفحم، رغم استثماراتها الضخمة في الطاقة النظيفة، يقوّض أي تقدم يُمكن أن تحققه، ومع أن بكين استثمرت أكثر من 625 مليار دولار في الطاقة المتجددة العام الماضي –وهو ما يعادل 31% من الإجمالي العالمي– فإن هذه الطفرة الإيجابية لا تكفي وحدها لتعويض بطء التخلي عن الفحم.
وبحسب المركز، يبعث هذا التناقض بين الاستثمار الأخضر واستمرار دعم الفحم برسائل متضاربة إلى الأسواق العالمية ويؤثر على ثقة المجتمعات الدولية في التزام الصين الفعلي.
وهنا يظهر السؤال الحقوقي الأعمق: هل يحق لدولة أن تؤجل خفض الانبعاثات بينما الملايين في العالم النامي يفقدون أراضيهم ومساكنهم بسبب آثار التغير المناخي؟
أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ عن هذه الخطط في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد ألمح بشكل غير مباشر إلى الولايات المتحدة، قائلًا إن "بعض الدول" لا ترقى إلى مستوى تحدي المناخ، داعيًا إلى احترام حقوق الدول النامية في مسار التحول البيئي.
لكن صحيفة "واشنطن بوست" نقلت عن محللين أن انتقاد واشنطن لا يُخفي ثغرات بكين نفسها، فالصين تواصل بناء محطات جديدة تعمل بالفحم، على الرغم من تعهدها في 2021 بالتخلص التدريجي من هذا الوقود.
ووفق خبراء أمريكيين، فإن سرعة الصين في تنفيذ التزاماتها تبقى العامل الأكثر حسماً، إذ إن أي تأخير يعني كلفة بشرية وبيئية باهظة ستدفعها البشرية جمعاء.
بين الطموح والواقع
وتمثل الطاقة النظيفة بالفعل أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، وحوالي ربع نموها الاقتصادي، وقد أدت صادراتها من الألواح الشمسية إلى خفض تكلفة الطاقة المتجددة عالميًا بنسبة تقارب 90% خلال العقد الماضي، كما أحدثت البلاد ثورة في مجال السيارات الكهربائية والبطاريات.
لكن من ناحية أخرى، لا تزال الانبعاثات الصينية في ذروة الارتفاع، ويخشى خبراء المناخ أن يتحول الحديث عن الحياد الكربوني بحلول 2060 إلى وعد بعيد المدى لا يُسعف العقد الحالي الحاسم، فبدون خطوات جذرية حتى عام 2030، قد تضيع نافذة إنقاذ العالم من أسوأ سيناريوهات الاحترار.
العدالة المناخية
يتجاوز جوهر المسألة لغة الأرقام والسياسات إلى سؤال حقوقي أساسي: هل يمكن للعالم أن يتغاضى عن التزامات ضعيفة لدولة تمثل أكبر مصدر لانبعاثات الكربون، بينما تُترك المجتمعات الضعيفة في الجنوب العالمي لمصيرها؟
كما توضح الغارديان وواشنطن بوست، فالصين ليست وحدها في دائرة النقد، لكن حجمها ودورها يجعلاها في قلب المساءلة الدولية، فالتأخر في خفض الانبعاثات يعني حرمان أجيال كاملة من حقها في العيش في بيئة صحية، ويهدد مبادئ العدالة المناخية التي نصت عليها اتفاقية باريس.
وبينما يستعد العالم لقمة المناخ المقبلة في البرازيل (COP30)، سيظل موقف الصين بمثابة اختبار رئيسي: إما أن تُثبت قدرتها على قيادة تحول عالمي حقيقي، وإما أن تظل رهينة معادلة مؤلمة بين النمو الاقتصادي السريع والانبعاثات المتصاعدة، مع ما يحمله ذلك من تهديد لحقوق الملايين.